تواصل الولايات المتحدة تحقيق أداء اقتصادي يفوق نظيراتها من الدول الغنية، رغم التحديات والمنافسة المتزايدة. وفقاً لتقرير حديث نشرته صحيفة “إيكونوميست”، تمكن الاقتصاد الأميركي على مدى العقود الثلاثة الماضية من تسجيل معدلات نمو أسرع مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، مدعوماً بديناميكية فريدة تجمع بين الابتكار والسياسات الداعمة.
نهضة اقتصادية رغم التحديات
في التسعينيات، توقعت لجنة سياسات التنافسية الأميركية تباطؤاً طويل الأمد في نمو الاقتصاد الأميركي مقارنة بالدول الصناعية الأخرى، لكن الأحداث أثبتت العكس. ففي حين دخلت اليابان في ركود طويل الأمد وتباطأ النمو في أوروبا، شهدت الولايات المتحدة “نهضة اقتصادية مصغرة” قادتها ثورة الإنترنت.
ورغم المخاوف الحديثة من المنافسة الصينية، يشير التقرير إلى أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يتفوق على منافسيه، حيث سجل منذ عام 2020 نمواً حقيقياً بلغ 10%، ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط النمو في دول مجموعة السبع.
دور الدولار والثقة بالاقتصاد
ترافق هذا التفوق مع تعزيز مكانة الدولار كعملة عالمية مهيمنة، مما عزز قدرة الشركات الأميركية على المنافسة دولياً وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما انعكس ذلك على الحياة اليومية للأميركيين الذين زادت رحلاتهم وإنفاقهم خارج البلاد، مدفوعين بقوة الدولار وارتفاع الثقة في الاقتصاد.
مزايا جغرافية وهيكلية
يُعزى جانب من النجاح الأميركي إلى الميزات الجغرافية التي تجعل السوق المحلي من بين الأكبر والأكثر تنوعاً في العالم. بفضل هذه السوق، يمكن للشركات إطلاق منتجاتها وتوسيع عملياتها بسهولة على نطاق واسع.
كما يلعب سوق العمل المتكامل دوراً مهماً، حيث يتيح التنقل الوظيفي واستقطاب الكفاءات إلى القطاعات الإنتاجية. إضافة إلى ذلك، توفر الحدود المفتوحة نسبياً مع أميركا اللاتينية تدفقاً مستمراً للعمالة اللازمة للقطاعات الحيوية مثل الزراعة والبناء.
السياسات الداعمة للنمو
لم يكن التفوق الأميركي نتيجة قوى السوق فقط، بل أسهمت السياسات الحكومية بشكل كبير. خلال الأزمات، مثل الأزمة المالية 2008 أو جائحة كوفيد-19، قدمت الحكومة حزم تحفيز سخية ودعماً نقدياً قوياً ساعد الاقتصاد على التعافي بوتيرة أسرع من الدول الأخرى.
تحديات تؤثر على الاستدامة
رغم هذه الإنجازات، يواجه الاقتصاد الأميركي تحديات كبيرة، أبرزها انخفاض متوسط العمر المتوقع مقارنة بالدول الأوروبية، والمشاكل الصحية المرتبطة بالسمنة والمخدرات، إلى جانب تفشي العنف المسلح.
كما لا تزال عدم المساواة في توزيع الثروة تحدياً هيكلياً، يعكس جوانب ضعف في النموذج الاقتصادي الأميركي.
الآفاق المستقبلية
رغم القلق المتزايد من تراجع الهيمنة الاقتصادية الأميركية، يشير تقرير “إيكونوميست” إلى أن ديناميكية الاقتصاد الأميركي ومرونته تتيح له مواصلة التفوق. ومع استمرار الابتكار واستثمار الموارد البشرية، يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على مواجهة المنافسة من الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند.
تظل الولايات المتحدة، برغم كل التحديات، قادرة على صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي بفضل قوتها الاقتصادية التي تجمع بين مرونة الأسواق وكفاءة السياسات.